نفحـة أوبامـا!!
فوجئ أساتذة جامعة القاهرة وباقي أعضاء هيئة التدريس والعاملون بالجامعة العريقة عند تسلم رواتبهم عن الشهر الماضي بأن المبلغ المالي الذي يتسلمونه يزيد حتي يصل إلي ضعف المرتب الشهري الذي يتسلمونه عادة من أول كل شهر, وفي البداية تصوروا أن الدولة قررت أخيرا تعديل رواتبهم ثم اكتشفوا أنهم يحلمون, وعندما قاموا باحتساب فارق ما تسلموه عن رواتبهم اتضح لهم أن الجامعة قد صرفت لهم ما يعادل راتب شهر زيادة تحت اسم مكافأة أو منحة الجامعة للعاملين بها بمناسبة زيارة السيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لجامعة القاهرة!!
والحقيقة أن العديد من الأساتذة أصابته دهشة فشل في تجاوزها وهو يحاول أن يكتشف العلاقة بين زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لمصر ولجامعة القاهرة وقيام إدارة الجامعة بصرف مكافأة للعاملين بها من أساتذة وغيرهم بمناسبة هذه الزيارة الميمونة التي لا تزيد علاقة الجامعة بها عن كونها مكانا اختير لكي يلقي منه أوباما كلمته!! وكان سؤالهم ما هو الإنجاز الذي تحقق لجامعة القاهرة حتي تستقطع من مواردها هذا المبلغ المحترم في الوقت الذي ترغم فيه الطلاب علي أن يدفعوا مقابلا ماديا لكل إجراء أو تعامل مع الجامعة تحت مسمي رسوم إدارية, ويتساءل أعضاء هيئة التدريس والعاملون هل يا تري سوف يتكرر صرف هذه النفحة الأوبامية كل عام في الذكري السنوية لزيارة السيد أوباما لجامعة القاهرة أم أنها مرة وعدت ولن تتكرر؟! وإذا كانت الجامعة تريد ـ إشفاقا علي أساتذتها وتقديرا منها لظروفهم المالية المحدودة ـ أن تقدم لهم منحة مالية تعينهم علي مواجهة أعباء المعيشة ألم يكن من الأكرم والأكثر احتراما لهؤلاء الأساتذة ولكل العاملين في الجامعة بل وللجامعة نفسها أن تقدمها لهم تحت أي مسمي محترم بدلا من أن يتلقي الأستاذ الجامعي المحترم نفحة مالية اسمها مكافأة زيارة أوباما؟!
وبالمناسبة ماذا ستفعل الجامعات الأخري كجامعات عين شمس والإسكندرية وحلوان وهي الجامعات التي شاء لها سوء الحظ أن تحرم من بركات ونفحات الرئيس الأمريكي الذي اختار جامعة القاهرة حتي يلقي منها كلمته للعالمين الإسلامي والعربي؟وما ذنب أساتذتها الذين لم تصل إليهم بركات ونفحات وهبات الرئيس أوباما؟!! وإذا كانت زيارة أوباما المباركة لأي مكان تستحق صرف نفحة مالية للعاملين في هذا المكان فهل يا تري قدرت باقي الجهات التي زارها الرئيس أوباما العاملين بها كما قدرته جامعة القاهرة؟ وهل أصدر الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار قرارا بمنح مكافأة مالية للعاملين في مسجد السلطان حسن ومنطقة آثار الأهرامات مع ملاحظة أن الرئيس الأمريكي قد أمضي من الوقت في هذه الأماكن الأثرية أربعة أضعاف الوقت الذي أمضاه علي منصة قاعة الاحتفالات الكبري بجامعة القاهرة, وبالتالي فإذا كانت جامعة القاهرة قد صرفت للعاملين بها شهرا واحدا بمناسبة وجود أوباما بها نحو ساعة من الزمن فعلي الدكتور زاهي حواس أن يصرف للعاملين بالآثار مكافأة تعادل ثلاثة أشهر من الراتب قياسا علي الساعات الثلاث التي أمضاها أوباما في المناطق الأثرية.
ويجب أن نعترف بأن ما جري أمر محزن ومؤسف ومسيء لقيمة ومكانة أساتذة أقدم وأعرق الجامعات العربية بعد الأزهر الشريف.. صحيح أن ما يتقاضاه أستاذ الجامعة من دخل شهري يدعو للأسي ولا يسمح له بالحياة الكريمة التي نريدها له وهو ما يجعل الكثيرين منهم يلجأون ـ ولهم كل العذرـ إلي البحث عن موارد إضافية لزيادة هذا الدخل المتواضع, فيسارع الأستاذ إلي إلقاء محاضرة هنا, ويسعي أستاذ آخر إلي الانتداب للتدريس هناك, ويبيع ثالث مذكرات دراسية لطلابه بأسعار غير مناسبة.. ولكن كل ذلك لا يبرر أن تعتبر جامعة عريقة في مكانة جامعة القاهرة أن زيارة الرئيس الأمريكي لحرمها الجامعي ـ ولو لم تكن لها علاقة بأي إنجاز علمي لهذه الجامعة ـ مجرد فرصة تستحق أن تنتهزها لتعطي أساتذتها نفحة مالية وتسجلها في أوراقها ومستنداتها التي يوقع عليها الأساتذة عند الصرف باسم مكافأة زيارة أوباما لجامعة القاهرة!! وهل يمكن أن يوضح لنا الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة كم تكلفت هذه المنحة الأوبامية؟ ومن الذي اتخذ القرار بصرفها؟ وما مصدرها في موازنة الجامعة؟ أم أنها مما تسميه الجامعة الموارد الذاتية والتي تتكون عادة من حسابات الصناديق الخاصة وتفيض علي الجامعة من ماسورة فلوس التعليم المفتوح التي تتدفق علي الجامعة بغير حساب؟! والتي من أجل مزيد من التدفق تم توسيع قطر هذه الماسورة وأصبح القبول في هذا التعليم المفتوح بلا أي ضوابط تقريبا.
ويسأل الأساتذة: هل قامت الجامعة بإبلاغ السفارة الأمريكية بهذه المنحة التي قدمتها لأساتذتها زهوا واعتزازا وتعبيرا عن فرحتها بزيارة الرئيس الأمريكي لحرم الجامعة وهو إجراء لا تتبعه جامعات أمريكا نفسها لو قام أوباما بزيارتها؟!
أخيرا نحن لا نعترض إطلاقا علي أن تسعي الجامعة ـ أي جامعة ـ لتحسين أحوال العاملين بها من أعضاء هيئة التدريس وغيرهم ولكن هناك أشياء اسمها اللياقة والوعي بقيمة ومكانة وقدر الجامعة تجعلنا نري في هذه النفحة الأوبامية ما يتعارض مع كل هذه الأشياء!!